قضية الاسْتِرْسَـال فِي الْعِلمِ الإِلهِي بين إمام الحرمين والفلاسفة

المؤلف

أستاذ العقيدة والفلسفة المشارك بجامعة الأزهر وجامعة جازان بالمملكة العربية السعودية

المستخلص

تُعد مسألة الاسترسال واحدة من دقيق المسائل التي قال بها إمام الحرمين في كتابه البرهان، وذهب فيها إلى أن تعلق علم الله تعالى بالجزئيات التي يستحيل وقوعها في الوجود معناه استرساله عليها من غير تفصيل الآحاد مع نفي النهاية، فاتهمه المازري وغيره من المالكية المغاربة بإنكار علم الله بالجزئيات، وأنه تأثر بالفلاسفة المسلمين في القول بعدم علم الله بالجزئيات، وبجهم ابن صفوان في قوله بأن الله لا يعلم الجزئيات إلا بعد حدوثها، ومن هنا حذر المازري الواقف على كتاب البرهان من أن يصغي إلى مذهب إمام الحرمين في الاسترسال؛ لأنه أحد أركان الدين، والتساهل فيه يؤدي إلى مطاعن الملحدين، ولو كان الإمام على هذه العقيدة لم يحتج إلى أن يدأب نفسه في تصنيف «النهاية» في الفقه، وفيه جزئيات لا تنحصر، والعلم غير متعلق على هذا التقدير عنده بها، والذي يعضد هذا ما ذكره إمام الحرمين في الكلام مع اليهود في كتاب البرهان باب النسخ حيث ذهب إلى أن الرب تعالى كان عالما في أزله بتفاصيل ما لم يقع فيما لا يزال، كما أن الرجل أثبت صفة العلم للباري تعالى في «الإرشاد والشامل والنظامية واللمع» بطريق الاتقان والإحكام، وفي «البرهان» بطريق الإرادة والاختيار، ولا ريب أن في إثبات العلم لله تعالى بأحد هذين الطريقين يبطل القول بالاسترسال في العلم الإلهي، ويفيد إحاطة علم الباري جل اسمه بجميع الأشياء، ظاهرها وخفيها؛ لأنه سبحانه قد خصصها بالوجود في وقتها على حجم معين ومقدار مخصوص.